لماذا لا يجب عليك طاعة جميع قوانين الكتاب المقدس؟

بقلم أدرييل سانشيز

إذا سألت معظم الناس غير المترددين على الكنائس عن الموضوع الذي تتمحور حوله المسيحية، فمن المحتمل أن يقولوا إنَّه: حِفظ القوانين. لقد سمعت ذلك مرارًا وتكرارًا: “المسيحية؟ إنَّها تتلخّص في أن تكون شخصًا طيّبًا وأن تحب الآخرين.” أو: “إنَّها تتلخّص في اتّباع يسوع، والعيش مثل يسوع!”

لا ينبغي أن نُفاجأ بهذا الافتراض الذي يفترضه الشخص غير المؤمن العادي عن المسيحية. والحقّ أنَّ الكثيرين منا – داخل الكنيسة – تربَّوا على تصديق ذلك. فعلى كل حال، الكتاب المقدس مليء بالقوانين والوصايا التي تخبرنا كيف نعيش، وما لا ينبغي عمله. حتَّى يسوع قال إنَّه لم يأت لإبطال الناموس (متى 5: 17)، لذلك لابُدّ أن تكون القوانين مهمة، أليس كذلك؟

القوانين في الكتاب المقدس هي انعكاس جميل للإله القدوس الذي نعبده. لكني وجدت أنَّ الكثيرين من المؤمنين مُشوَّشون بشأن دور القوانين – وخاصَّة قوانين العهد القديم، التي نجدها في أماكن مثل سفر اللاويين، والتي تبدو غريبة جدًا بالنسبة لنا. قد تقودنا مئات الأوامر والنواهي في الكتاب المقدس إلى الاعتقاد بأن المسيحية تدعو إلى التزمّت الأخلاقي، لكنَّها ليست كذلك. فاسمحوا لي أن أحاول تلخيص الأنواع الثلاثة من القوانين الموجودة في الكتاب المقدس، وأن أبيِّن كيف تقودنا في نهاية المطاف إلى يسوع.

القوانين الأخلاقية

نجد في الكتاب المقدس ما يُشَار إليه أحيانًا بالقانون الأخلاقي. يتلخَّص هذا القانون في الوصايا العشر (خروج 20: 1–17)، لكنَّه مكتوب أيضًا على صفحات قلوبنا (رومية 2: 15). كل واحد منا يملك إحساسًا فطريًّا بالصواب والخطأ. قد شرح سي. إس. لويس هذه “المعرفة الطبيعية” للعدل كما يلي: “… لدى البشر، في جميع أنحاء الأرض، هذه الفكرة الغريبة التي مفادها أنَّه يجب عليهم التصرف بطريقة معينة، وهي فكرة لا يمكنهم التخلُّص منها …” ثُمَّ يتابع لويس كلامه فيصف كيف أصبحنا «محترفين» في خرق هذا القانون (المسيحية المجرَّدة، الفصل الأول).

نحن نعلم أن الناموس (أي القانون) صالح، وضميرنا يشهد لنا عمّا هو صواب وخطأ، لكننا لا نزال نقوم – وبصورة حتمية – بأشياء تتعارض مع الناموس الأخلاقي. إنّ هذا القانون، على حدّ قول يسوع، يتحقّق – في النهاية – في وصية محبة الله والآخرين (متى 22: 36–40). بحسب الكتاب المقدس، قد فشلنا جميعًا في تنفيذ قانون الله الأخلاقي (يعقوب 2: 10)، ويسوع وحده، ابن الله الذي بلا لوم، هو الذي أحب الآب والآخرين محبّة تامّة (عبرانيين 4: 15).

القوانين المدنية

لمَّا كان الله يحكم الشعب الذين أنقذهم من مصر، أعطاهم أيضًا قوانين أخرى، تُسمَّى أحيانًا بـ القوانين المدنية، والتي حكم من خلالها شعب إسرائيل ككيان سياسي. كانت “الكنيسة” و”الدولة” في العهد القديم كيانًا واحدًا. وعلى هذا الأساس، سنّ الله لإسرائيل قوانين خاصّة تتعلق بكونها أُمَّة دينية. على أنَّ هذه القوانين لا تنطبق اليوم بالطريقة نفسها التي كانت تنطبق بها على إسرائيل، لأنّ الله يحكم ملكوته على الأرض (أي الكنيسة) بصورة مختلفة عن التي كان يحكم بها شعب إسرائيل في ظلّ العهد القديم.

مثلًا، بموجب قانون العهد القديم المدني لإسرائيل، كان يتم إعدام المُجدِّفين والزناة (لاويين 20: 10؛ 24: 16). أَمَّا في العهد الجديد، أي داخل الكنيسة، فلا يتم إعدامالمجدِّفين والزناة غير التائبين، بل يتم حرمانهم (انظر متى 18: 15–17؛ وكورنثوس الأولى 5: 5). قد نجني مبادئ عامة من الحكمة من القانون المدني في العهد القديم، لكننا غير مُلزَمين به مثل العبرانيين. فعندما أُعدِم السيّد المسيح، كان ذلك بتهمة التجديف (مر 14: 61–64). ومن المفارقات أنَّ أكبر عقوبة ينصّ عليها الشرع المدني صدرت في حقّ الشخص الوحيد على وجه البسيطة الذي حفظ الشريعة بالكامل.

القوانين الطقسية

نجد في العهد القديم فئة أخرى من الشرائع هي فئة القوانين الطقسية. وهي القوانين الدينية لإسرائيل المرتبطة بذبائح الهيكل ومواعيد العبادة، حيث وصف الله طريقة عبادته في المسكن (ولاحقًا في الهيكل) وصفًا تفصيليًّا في أسفار مثل سفر الخروج واللاويين. قد أسّس الله نظام الأُضحيات، بكهنته وتقدماته، لإسرائيل ليصوّر الرجاء المتاح في الإنجيل ولكن على سبيل «الأمثلة» و«الظلال». نستطيع، إذن، أن نصف هذه القوانين بأنها رمزية، لأنها تشير إلى يسوع وملكوته السماوي. كانت هذه القوانين الطقسية بمثابة علامات على الطريق تشير إلى يسوع، وقد أُلغِيَت حالما وصل، فأتمّ الخلاص مرَّة واحدة وإلى الأبد. بقدر ما نميّز يسوع على أنه حمل الله (يو 1: 29) أو الهيكل الحقيقي (يو 2: 18–22)، يتّضح كذلك أنَّه نهاية الناموس الطقسي.

على أنَّه من المهم ملاحظة أنَّ هذه الأنواع الثلاثة من القوانين غير كاملة. فحين نقرأ العهد القديم، يتّضح أنَّ هناك شيئًا من التداخل بين هذه الفئات. ففي بعض الأحيان، تمتزج القوانين الطقسية والمدنية، مثلًا، بحيث يصعب تصنيف كل قانون في فئة مستقلة. ومع ذلك، توفّر لنا هذه الفروق الثلاثة مُلخَّصًا مفيدًا لكيفية استخدام الله “للناموس” عبر تاريخ الفداء. فإن بعض الوصايا، مثل تلك الموجودة في الناموس الأخلاقي، تظل قائمة إلى الأبد وهي مُلزِمة حتَّى للمؤمنين اليوم.

أمَّا الوصايا الأخرى، مثل تلك المرتبطة بعبادة الهيكل أو الثيوقراطية السياسية لإسرائيل، فلا تنطبق ولا يمكن تطبيقها اليوم بنفس الطريقة. مع ذلك، تساعد كل هذه القوانين – بطريقة ما – في قيادتنا إلى يسوع. إنَّ المسيحية لا تتعلق بدخول «الجنة» بواسطة سلوكنا الصالح (حفظ الشريعة). إنما الإيمان المسيحي هو وحي من عند الله بأنَّ يسوع قد شقّ السماوات لينزل إلينا ويحمل لعنة الناموس (أي الشريعة) مكاننا (غلاطية 3: 13). المسيحية ليست دينًا يحافظ على القوانين، بل هي ديانة المحبة – المحبة لله الذي رفعنا عندما خالفنا شريعته، وذلك بحمل عبء الكمال على عاتقه. عند قبولنا في المسيح، يُتَاح لنا أن نتبع شريعة الله بدافع الامتنان العميق، بدلًا من الخوف من الرفض.

  • أدرييل سانشيز

    أدريال سانشيز هو راعي كنيسة نورث بارك المشيخيَّة، التي تنتمي إلى طائفة الكنيسة المشيخية في أمريكا (PCA). بالإضافة إلى مسؤولياته الرعويَّة، فهو يخدم أيضًا الكنيسة العامة إذ يُقدِّم البرنامج الإذاعي “جوهر المسيحية”، برنامج حواري يُذاع مباشرةً كل يوم، ويستقبل أسئلة المستمِعين عبر الهاتف ويجيب عنها، أسئلة عن الكتاب المُقدَّس والإيمان المسيحي.

    Read All by أدرييل سانشيز ›

ابحث في مكتبة الموارد