يعمل الله أفضل ما عنده بالفراغ

بقلم نانسي گثري

“هذا أنا! وهذه حياتي! أشعر بالفراغ الشديد”، هكذا قالت لي صديقتي جولي عندما أخبرتُها بعنوان الكتاب الذي كنتُ أعمل عليه آنذاك. ولم يكن رد فعلها هذا تجاه عنوان الكتاب فريدًا من نوعه. فكلما أخبرتُ أحدًا بطبيعة المشروع الذي أعمل عليه، كان ردُّ الفعل الأكثر شيوعًا هو همهمة خافتة ومتفهِّمة.

فإن واقع الفراغ يبدو أنه يجد صداه بداخلنا.

ما أعلمه جيِّدًا هو أنه يجد صداه في داخلي. أشعر بالحرج نوعًا ما من الاعتراف بذلك لأن حياتي كانت ولا تزال مليئة بالكثير جدًّا من الخير والإحسان. فلديَّ وفرة من الأسباب التي تدعوني إلى أن أكون سعيدة وراضية تمامًا. ومع ذلك…

أشعر في بعض الأحيان وكأن هناك هوة سحيقة في داخلي لا يستطيع أيُّ قدر من الترفيه، أو التقدير، أو الانشغال أن يملأها.

قطعًا، لم يتسبَّب شيء في هذا الشعور العميق بالفراغ مثل خسارة اثنين من أبنائي ابنتي “هوب”، ثم ابني “جابرييل”، اللذين مات كلاهما بسبب اضطراب نادر في الأيض. وفي تلك الأيام، كنت أواجه باستمرار واقع غرفة نوم فارغة في المنزل، ومقعد فارغ على طاولة الطعام، ومكان فارغ في الصورة العائليَّة، ومكان فارغ كبير في خططي لأجل عائلتي وحياتي. وعلى مرِّ السنين، تغيَّر شكل هذا الفراغ وحجمه، لكنه لا يزال موجودًا.

ربما تجد نفسك في وضع شبيه بذلك.

فربما تشعر بالفراغ الذي تسبَّبت لك فيه خسارة من نوعٍ ما، كخسارة وظيفة، أو خسارة أحد أحبائك، أو فقدان المعنى أو الأهميَّة. أو ربما تعجز عن تحديد سبب هذا الشعور بالفراغ بدقَّة. وربما يطاردك هذا الشعور في صورة ألم غير محدَّد المعالم، لكنه لا يمضي. وفي أحيان أخرى، يغمرك هذا الشعور بضيق لا يمكن تجاهُله أو إنكاره. ربما ترى أن هذا الفراغ هو أكبر مشكلاتك؛ لكن، عندما ينظر الله إلى هذا الفراغ في حياتك، يرى أنه أهم فرصة. وفي حقيقة الأمر، يفعل الله أفضل ما عنده بالفراغ.

قد يبدو هذا للبعض منكم كما لو أنه مُجرَّد كلام أو محاولة للترويج لشيء روحي ليست لديه القدرة على إحداث أيِّ فارق في حياتك اليوميَّة.

ليست لديَّ خمس خطوات بسيطة للتخلُّص من ذلك الفراغ المزعج، أو بعض الوصفات لمساعدة النفس كي تكون أفضل حالًا. لكنني أود أن أسمح لله بالتحدُّث عن نفسه. وهذا هو ما يفعله في الكتاب المُقدَّس بأكمله. فإن الله يتكلَّم، ويعلن عن ذاته، ويدعونا إليه، ويعرض أن يملأنا بذاته.

يستطيع الله أن يملأ فراغك، وهو سيفعل ذلك، على نحو لا يمكن لأي شيء أو شخص آخر أن يفعله.

لاحظ معي ما فعله في البدء.

فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضَ. وَكَانَتِ ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ ٱللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ. (تكوين 1: 1-2)

فما أن نعرف أن الله خلق الأرض، نعرف أيضًا أنه كانت هناك ثلاث مشكلات مصاحبة لذلك: كانت الأرض خربة، وخالية، ومظلمة.

لكن لم يكن الأمر خاليًا من الرجاء. لماذا؟ لأن “رُوحُ ٱللهِ [كان] يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ” (تكوين 1: 2)

كان روح الله يرف أو يرفرف كالحمامة فوق هذا الخلاء والفراغ المظلم والخرب. وبدا الأمر كما لو أن شيئًا على وشك الحدوث. وقطعًا، حدث شيء بالفعل.

وَقَالَ ٱللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ. (تكوين 1: 3)

فقد انتهت مشكلة الظلمة عندما غُمِرت الخليقة بالنور.

وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا … وَقَالَ ٱللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». … بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلْجَلَدَ سَمَاءً. (تكوين 1: 4-8)

مرَّة أخرى، تكلَّم الله، فخرج النور والسماء إلى حيِّز الوجود، الأمر الذي أنهى مشكلة الخراب أو انعدام الشكل. فقد جلب الله ترتيبًا وشكلًا إلى البيئة وإلى سماء خليقته.

ثم بعد ذلك، ابتدأ الله يعالج مشكلة الخلاء، فنقرأ ما يلي:

وَقَالَ ٱللهُ: «لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ». (تكوين 1: 11)

ثم تابع الله أيضًا ليملأ المياه بالأسماك، والسماء بالطيور، والأرض بالحيوانات. وقام بتعمير العالم ببشر مخلوقين على صورته. كان الله يعمل، مالئًا الخلاء بالنور والحياة، وبالجمال والخير، وبالمعنى والعلاقات.

وهذا تحديدًا هو، يا صديقي، ما يريد الله أن يعمله في حياتك.

ثم تتواصل قصة الكتاب المُقدَّس في سفر التكوين، حيث نتعرَّف على الزوجين أبرام وساراي، اللذين دُعيا لاحقًا باسم إبراهيم وسارة — اللذين من خلالهما عزم الله على أن يملأ فراغ العالم بنسلٍ كنجوم السماء ورمل البحر في الكثرة. لكن كانت هناك مشكلة.

وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِرًا لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ. (تكوين 11: 30)

لكن مرَّة أخرى، كان هناك رجاء، لأن الله كان يعمل. وفي حقيقة الأمر، عمل الله هنا على نحو جعل من المستحيل أن يغفل أحدٌ عن كونه هو مَن يملأ الفراغ.

عندما سمعت سارة عرَضًا وعد الله لإبراهيم بأن يكون له ابن، ضحكت. كان الأمر بالفعل مثيرًا للضحك. فقد كانت في التسعينات من عمرها، وكان إبراهيم يبلغ من العمر مئة عام؛ لكن قال الله: “هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى ٱلرَّبِّ شَيْءٌ؟” (تكوين 18: 14). ثم نقرأ كذلك هذه الكلمات: “وَٱفْتَقَدَ ٱلرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَفَعَلَ ٱلرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمَ. فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لِإِبْرَاهِيمَ ٱبْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ، فِي ٱلْوَقْتِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ ٱللهُ عَنْهُ” (تكوين 21: 1-2).

فما كان أصعب من اللازم — بل وفي حقيقة الأمر مستحيلًا — على إبراهيم وسارة أن يحقِّقاه، لم يكن في حقيقة الأمر صعبًا على الله. وقد دعيا اسم الطفل إسحاق، الذي معناه “ضحك”. فقد ملأ الله خلاء رحم سارة بالفرح.

بالطبع، كان حَبل سارة المستبعَد، الذي تحقَّق بقوة الله هو، من نواحٍ كثيرة، الذي هيَّأ شعب الله لحَبل مستبعَد آخر تحقَّق بعد ذلك بسنوات. ولم يكن الأمر الغريب في هذا الحَبل هو أن المرأة كانت مُتقدِّمة في العمر، بل أنها لم تعرف رجلًا قط.

قال الملاك لهذا المرأة:

لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ.

فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَاكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟»

فَأَجَابَ ٱلْمَلَاكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. (لوقا 1: 30-35)

مرَّة أخرى، كان روح الله يرف، مجريًا عمله الخالق، حتى يمتلئ رحم مريم الفارغ بحياة الله ذاتها. ففي ظلمة رحمها، تكوَّن ذاك الذي دعا نفسه نور العالم. وولَّدت الخلايا خلايا أخرى، وصار الكلمة جسدًا، وكان مَمْلُوءًا — مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.

يستطيع الله أن يملأ حياتك، بل وسيملأها بالفعل، بالنعمة التي لا يستطيع سواه أن يعطيها. فهو يحب أن يعطي نعمة. ويخبرنا يوحنا 1: 16 بأنَّ “مِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ”.

هذا المقال مأخوذ من الكتاب بعنوان “يعمل الله أفضل ما عنده بالفراغ” (God Does His Best Work with Empty) لكاتبته نانسي جوثري، وقد استُخدِم بتصريح من دار نشر تيندال هاوس، قسم من أقسام خدمات تيندال هاوس (Tyndale House Publishers, a Division of Tyndale House Ministries). كل الحقوق محفوظة.

  • نانسي گثري

    نانسي جوثري هيمُعلِّمة وكاتبة. ومن مؤلَّفاتها كتاب بعنوان: “قدِّيسون وأوغاد في قصة يسوع” (Saints and Scoundrels in the Story of Jesus). وأحدث مؤلَّفاتها هو الكتاب بعنوان: يعمل الله أفضل ما عنده بالفراغ” (God Does His Best Work with Empty). وهي المضيفة في البرنامج الصوتي بعنوان: “ساعدني لأُعلِّم الكتاب المُقدَّس” (Help Me Teach the Bible)، التابع لهيئة ائتلاف الإنجيل (Gospel Coalition). كما أنها مسؤولة مع زوجها عن برنامج “خلوات للاسترخاء” (Respite Retreats)، المخصَّص للأزواج الذين عانوا من وفاة أحد أبنائهم. كما يشاركان في سلسلة الفيديوهات المصوَّرة بعنوان GriefShare.

    Read All by نانسي گثري ›

ابحث في مكتبة الموارد