ما معنى الثبات في يسوع؟

ما معنى الثبات في يسوع؟

بقلم أدريال سانشيز

تعد كلمة “يَثْبُت” إحدى الكلمات المُفضَّلة للرسول يوحنا؛ حيث استخدمها ٤٠ مرة في إنجيله، و٢٤ مرة في رسالته الأولى! في بعض الأحيان، استُخْدِمَت فقط للإشارة إلى المكان الذي كان الرب يسوع سيمكث فيه بضعة أيام (يوحنا ١: ٣٩؛ ٢: ١٢؛ ٤: ٤٠؛ ٧: ٩)؛ بينما في أحيانٍ أخرى، تم استخدام الكلمة بمعنى مجازي أكثر لتصف سُكْنَى الرب يسوع في تلاميذه بواسطة الروح القدس (يوحنا ١٤: ١٥–٢٦)، أو سُكْنَى تلاميذه فيه بالثبات في كلمته (يوحنا ١٥: ٧؛ ٢ يوحنا ١: ٩). قال الرب يسوع: “اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ” (يوحنا ١٥: ٤)، فالرب يسوع يعيش في شعبه، وشعبه يعيش فيه.

في واقع الأمر، إن استخدام الرب يسوع لمثل هذه الكلمة، ذات الطابع المنزِلِي الأُسَرِي، عند وصف علاقتنا به يقول الكثير، فنحن دُعينا لنَجْعَل لَنَا مَنْزِلًا في المسيح، كما يجْعَلُ هو لَه مَنْزِلًا فينا (يوحنا ١٤: ٢٣)، وهذا يكشف شيئًا من الحميميَّة الموجودة بين المؤمن والرب يسوع. كما أن التشبيه الذي أعطاه الرب يسوع لنا في يوحنا ١٥ — “أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ” — يُبرِز الطبيعة العضويَّة لاتحادنا بالمسيح؛ فنحن مُتَّصلون بالرب يسوع بالإيمان، وحياته التي تنبض في كل كياننا تُنتِج ثمر الروح القدس فينا (يوحنا ١٥: ٥؛ راجع غلاطية ٥: ٢٢–٢٣).

تعطينا كتابات يوحنا وصفًا واضحًا لشكل حياة الثبات في يسوع: هي حياة مثمرة (يوحنا ١٥: ٥)، مليئة بالصلاة (يوحنا ١٥: ٧)، مطيعة لوصايا الله (يوحنا ١٥: ١٠)، مليئة بالفرح (يوحنا ١٥: ١١)، وهي أيضًا حياة مُحِبَّة (يوحنا ١٥: ١٢، ١٧). هذه هي الثمار التي ينتجها المسيح الساكن فينا ونحن ثابتون فيه. ولكن المسيح هو الأصل، هو المنبع. إن عدم إدراكنا لهذا الفارق له آثار كارثيَّة. يمكن لكل واحد منَّا أن يُصلِّي أكثر، وأن يكون مُحِبًّا بشكل أكبر قليلًا (أو كثيرًا)، وأن يُظهِر المزيد من الفرح والسعادة، لكن إذا كانت الدعوة إلى الثبات في يسوع هي دعوة للعمل بجدِّيَّة أكبر على هذه الأمور، سنجد أنفسنا نحاول عمل المزيد والمزيد من أجل إقناع أنفسنا بأننا في المسيح فعلًا، لكن أن تَثْبُت — أن تكون في البيت — هو شيء من المفترض أن يكون مريحًا، أليس كذلك؟ أليس هذا تحديدًا ما وعدنا به الرب يسوع عندما قال: “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ”؟ (متى ١١: ٢٨).

كيف أثْبُت في يسوع؟

يستنزف الكثير من الناس طاقاتهم في سعيهم لإنتاج ثمر الثبات في يسوع دون أن يذوقوا أبدًا معنى الراحة في يسوع. كيف تَثْبُت في يسوع؟ لقد شرح الرب يسوع كيفية ذلك في يوحنا ٦: ٥٦: “مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ”. يبدو الأمر بسيطًا جدًّا، أليس كذلك؟ لكن للأسف، من بين المئات الذين سمعوا يسوع ينطق بهذه الكلمات، فقط قليلون هُمْ مَنْ ظلُّوا يتبعونه. وربما لهذا السبب قال الرب يسوع بعد ذلك لمجموعة من اليهود: “إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي” (يوحنا ٨: ٣١). إن تلاميذ يسوع الحقيقيِّين هُمْ أولئك الذين يأكلون جسده ويشربون دمه، وهُمْ الذين يثبتون فيه. هذا ليس شيئًا نعمل عليه، وإنما هو شيء نناله. وأولئك الذين ينالون جسد المسيح ودمه الحقيقيَّينِ بالإيمان هُمْ الذين يثبتون فيه.

ينبغي فهم ذلك الأمر من اتجاهين: أولًا، لا يعني الثبات في يسوع أن نجعل لنا منزلًا فيه وأن نعيش فيه فحسب، بل يعني أيضًا أن نعيش منه؛ فبنفس الطريقة التي نحتاج بها الخبز المادي لغذاء أجسادنا، نحتاج يسوع المسيح — خبز الحياة — كالغذاء الدائم لأرواحنا. نحن نعيش على الغفران الذي اشتراه الرب يسوع بدمه المسفوك، وهذا الغفران هو الذي يؤدِّي إلى الإثمار.

ثانيًا، توجد على الأقل إشارة مُبَطَّنة لفريضة العشاء الرباني التي سيؤسِّسها الرب يسوع في كنيسة قبل موته، وتنقل هذه الفريضة — التي يصعب فهمها وعد الإنجيل لنا بطريقة ملموسة من خلال الخبز والخمر. وقد عَلَّق القديس أوغسطينوس، أحد أعظم اللاهوتيِّين المسيحيِّين الذين عاشوا على الإطلاق، على كلمات الرب يسوع في يوحنا ٦ قائلًا:

إذًا، فالهدف من أن يأكل إنسان هذا الطعام ويشرب هذا الشراب هو أن يسكن في المسيح، والمسيح يسكن فيه. وبالتالي، مَنْ لا يسكن في المسيح ولا يسكن المسيح فيه، هو بدون شك لا يأكل جسد المسيح (روحيًّا) ولا يشرب دمه (على الرغم من أنه قد يمضغ، ماديًّا وظاهريًّا، عشاء جسد المسيح ودمه)، بل بالحري يأكل ويشرب فريضة هذا العشاء العظيم لدينونة نفسه.[1]

أدرك المسيحيُّون الأوائل أن جسد الرب يسوع ودمه هُما مصدر الحياة لأنهما بالحقيقة جسد ودم الله الابن (يوحنا ١: ١، ١٤). إذًا، فإن الثبات في يسوع هو أولًا وقبل كل شيء أن نتغذَّى على جسده المُحيِي، ويتم هذا بالإيمان؛ فهو الارتياح في نعمة الله واستقبالها.

وبفضل حضور يسوع فينا وقوة الروح القدس، يؤدِّي الثبات في يسوع إلى الإثمار فعلًا. إلَّا أننا لا يجب أن ننسى أن ديدان الخطية الساكنة فينا لن تترك هذا الجانب من المجد، بل ستَعيب طاعتنا دومًا. نحن نشتاق إلى اليوم الذي يشع فيه نور المسيح ومحبته على أكمل وجه من خلالنا دون أن تُغَيِّم عليه ضعفاتنا مرة أخرى. إن ذلك اليوم آتٍ. ولكن حتى يجيء، نحن مستريحون — كما في البيت — في عمل المسيح لأجلنا، ونستقبل نعمته المُحيِية. حتى يجيء ذلك اليوم، نَثْبُت في يسوع.

أدريال سانشيز هو راعي كنيسة نورث بارك المشيخيَّة، التي تنتمي إلى طائفة الكنيسة المشيخية في أمريكا (PCA). بالإضافة إلى مسؤولياته الرعويَّة، فهو يخدم أيضًا الكنيسة العامة إذ يُقدِّم البرنامج الإذاعي “جوهر المسيحية”، برنامج حواري يُذاع مباشرةً كل يوم، ويستقبل أسئلة المستمِعين عبر الهاتف ويجيب عنها، أسئلة عن الكتاب المُقدَّس والإيمان المسيحي.


[1] Augustine of Hippo. (1888). Lectures or Tractates on the Gospel according to St. John. In P. Schaff (Ed.), J. Gibb & J. Innes (Trans.), St. Augustin: Homilies on the Gospel of John, Homilies on the First Epistle of John, Soliloquies (Vol. 7, p. 173). New York: Christian Literature Company.

  • أدرييل سانشيز

    أدريال سانشيز هو راعي كنيسة نورث بارك المشيخيَّة، التي تنتمي إلى طائفة الكنيسة المشيخية في أمريكا (PCA). بالإضافة إلى مسؤولياته الرعويَّة، فهو يخدم أيضًا الكنيسة العامة إذ يُقدِّم البرنامج الإذاعي “جوهر المسيحية”، برنامج حواري يُذاع مباشرةً كل يوم، ويستقبل أسئلة المستمِعين عبر الهاتف ويجيب عنها، أسئلة عن الكتاب المُقدَّس والإيمان المسيحي.

    Read All by أدرييل سانشيز ›

ابحث في مكتبة الموارد