النفي من جنة هيكل الله

بقلم شاين روزنثال

بعد أن نطق الله فأخرج الكون إلى حيّز الوجود، كما هو وارد في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين، انتقل إلى خلق الإنسان من تراب الأرض، ثُمَّ وضعه في جنة عدن. لم تكن هذه – في الحقيقة – حديقة عادية، بل كانت مكانًا خاصًا دُعِي فيه الجنس البشري لأَوَّل مرَّة للعيش في سلام وانسجام مع خالقه. في الواقع، كما أشار عدد من العلماء، هناك العديد من أوجه الشبه بين وصف جنة عدن واللغة المستخدمة في وصف خيمة الاجتماع والهيكل الذي جاء بعدها.    

أول أوجه الشبه هذه يتعلّق بدعوة آدم الكهنوتية. مثلاً، في تكوين 2: 15 يرد على وجه التحديد أنَّ آدم دُعِي لـيعمل الجنة ويتعهّدها (أي يحرسها)، وليس عبثًا أننا كثيرا ما نجد في الأصل هاذين الفعلين نفسهما معًا عند وصف مسؤوليات الكهنة اللاويين الذين دُعوا إلى خدمة وحراسة خيمة الاجتماع، حيث كان الله يجتمع بشعب إسرائيل. إنّ ما يدلّ عليه هذا هو أنَّنا لا ينبغي أن نفكّر في جنة عدن المذكورة في سفر التكوين على أنَّها مكان لزراعة الخضروات فقط، بل نعتبرها «جنة هيكل» الله، أي مكان مسكنه المقدس. وقد استقر آدم هناك باعتباره ملكًا كاهنًا، لم يُدعَ لخدمة وحراسة جنة الهيكل هذه فقط، ولكن أيضًا لتوسيع حدود مسكن الله المقدس عن طريق مضاعفة وملء الأرض بحاملي الصورة الملكية، الذين سوف يحبّون الرب ويخدمونه بأمانة.        

هذه النظرة إلى دعوة آدم ليست مفهومًا جديدًا، بل هي وجهة نظر معروضة بوضوح في وثيقة مسيحية قديمة تُعرف باسم «مغارة الكنوز»، كُتبَت قبل عام 630 ميلاديًا. وفقًا لهذا النص: “لأنّ آدم كان كاهنًا وملكًا ونبيًا، فقد أحضره الله إلى الجنة ليخدم في عدن باعتباره كاهن الكنيسة المقدسة، كما يشهد على ذلك موسى الطوباوي: ” ليهتم بها” أي بالنيابة عن الله وذلك بواسطة الخدمة الكهنوتية في المجد”، ويحرسها،” أي يحرس الوصية التي اؤتُمِن عليها …” ((Bauckham, 543.    

ويا للأسف، وقع خطأ فادح، كما ندرك جميعًا. فعلى الرغم من أنَّ آدم دُعِي لحراسة جنة الهيكل المقدس، إِلاَّ أنّه انتهى به الأمر إلى السماح لعدو الله اللدود بأن يعوّج كلمة الله المقدسة ويشوّهها، ونتيجة لذلك انخدع هو وزوجته على السواء بالكامل. وبعد أن ابتلعا الكذبة، ارتكبا خيانة عظمى في حقّ السيد الملك، خالق الخلق كله.

بحسب تكوين 3: 8، بعد تذوق الثمرة المُحرَّمة، أدرك أبوانا الأولان عريهما و”اختبآ من وجه الرب بين أشجار الجنة“. في الواقع، هناك عدد كبير من الأشياء تحدث في هذه الآية. بادئ ذي بدء، تقول الآية إنَّ آدم وحواء اختبآ من الله. بعد السقوط، صار هذا اتجاهنا الطبيعي الآن. لم نعد نبحث عن الله، ولكن بسبب ذنب الخطيئة الأصلية وعارها، صار لدينا جميعًا رغبة قوية في الهروب من حضوره المقدس وتفضيل عبادة “أصنام” من صنعنا. وفقًا ليوحنا 3: 19–20: “إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلَا يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلَّا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ.”   

عندما نقرأ أنَّ آدم وحواء “اختبآ من وجه الله” يتّضح على الفور معنى ما أوحى الله به في وقت لاحق إلى موسى في خروج 33 عندما أعلن: “لَا تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لِأَنَّ ٱلْإِنْسَانَ لَا يَرَانِي وَيَعِيشُ”. أترى، قبل السقوط، كان الإنسان يمشي ويتحدّث مع خالقه “وجهًا لوجه”، أمَّا الآن، بسبب طبيعتنا الخاطئة، فنحن نعرف بالغريزة أنَّه ينبغي لنا أن نحوّل أنظارنا بعيدًا عن وجه هذا الإله الـ “سَاكِن فِي نُورٍ لَا يُدْنَى مِنْهُ” (1 تيموثاوس 6: 16).  

أمَّا الأمر الآخر الذي ينبغي أن نفكّر فيه فهو مكان اختباء آدم وحواء. عندما سمعا صوت الرب يمشي في الجنة، مكتوب أنَّ: “آدَمُ وَٱمْرَأَتُهُ [اختبآ] مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ.” لقد عرفا بالغريزة أنَّهما  – لكونهما خطاة – أصبحا بحاجة إلى وضع شيء بينهما وبين حضور الله القدوس. وفي تكوين 3: 8 اختارا الأشجار التي كانت في وسط الجنة، والتي استخدما أوراقها أيضًا لتغطية عار عُريهما.  

عندما وجد الله آدم وحواء في النهاية، سألهما أولاً عن أفعالهما ثم نطق بلعنات العهد. وإذ به يفعل أيضًا شيئًا غير متوقع بالمرة. فقبل طردهما من جنة الهيكل، ذبح الرب حيوانًا وصنع ثيابًا من الجلد ليستر عورتهما (تكوين 3: 21). في سفر التكوين 3: 23–24 نجد أنَّ “ٱلرَّبّ ٱلْإِلَه … فَطَرَدَ ٱلْإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ ٱلْكَرُوبِيمَ … لَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ.”

من اللافت للنظر استخدام كلمة “حراسة” عند هذا المنعطف من رواية سفر التكوين. باختصار، بسبب فشل آدم في دعوته، عزله الله من منصبه، ووضع الكروبيم السماويين هناك عند مدخل جنة الهيكل بغرض حراسة مدخلها المقدس. رغم أنَّ آدم وحواء لم يعد بإمكانهما الوصول إلى جنة عدن، إِلاَّ أننا لا نزال نجدهما في الأصحاحات القليلة التالية يخدمان يهوه. في الواقع، في الوقت المناسب، لن يفلح ابناهما قايين وهابيل الأرض فحسب، بل وسيخدمان الله أيضًا بطقوس شبيهة بطقوس الكهنة، حيث يقرّبان قرابين مختلفة للرب، خارج مدخل جنة الهيكل في الشرق.  

في مناسبة محدّدة، أحضر قايين بعض الثمار والخضروات إلى الرب على سبيل تقديم الشكر، بينما قدّم هابيل حملًا صغيرًا مع أجزاءه السمينة كذبيحة خطية. وكما نعرف جميعًا، رُفِضت تقدمة قايين، أمَّا تقدمة هابيل فقُبِلت. فغار قايين من أخيه واتّقد غيظًا عليه وقتله. وفي تكوين 4: 12، لعن الله قايين قائلاً إنه نتيجةً لجريمته، سيكون من الآن فصاعدًا “تَائِهًا وَهَارِبًا … فِي ٱلْأَرْضِ”. وفي الآية 16 يقال إنّ قايين خرج من حضرة الرب واستقرّ في أرض نود، شرقي عدن.

والآن تعالوا ننتقل سريعًا إلى زمن موسى. كأبناء الله الأحرار الحاصلين على التبنّي، دُعِي شعب إسرائيل لعبادة يهوه وخدمته دون غيره، لأنه الإله الحقيقي الوحيد للسماء والأرض. وبعد الخروج، طُلِب من موسى أن يبني خيمة ليستطيع الشعب عبادة الله بصورة مقبولة. كان لهذه الخيمة ثلاثة أقسام رئيسية. أولاً، ساحة خارجية بمدخل واحد يواجه الشرق. وكانت خيمة الاجتماع داخل هذه الساحة الكبيرة، وكان لها أيضًا مدخل واحد يواجه الشرق. وأمام مدخل خيمة الاجتماع كان مذبح الذبائح الذي كان على الناس أن يأتوا فيه بذبائحهم إلى الكهنة للتطهّر من الخطيئة والتكفير عنها.

على أنَّه لم يُسمَح لشعب إسرائيل إِلاَّ بدخول هذا القسم الأول من الخيمة الذي يواجه مدخل خيمة الاجتماع. وكان يُسمَح لبعض الكهنة فقط بدخول خيمة الاجتماع، التي كانت تنقسم إلى قسمين. أما الجزء الأول فكان يُسمَّى القُدس، الذي يُسمَح للكهنة فقط بدخوله. وأما الجزء الثاني فيُسمّى قدس الأقداس، ولم يُسمَح في هذا القسم بدخول أي أحد إِلاَّ رئيس الكهنة، وحتى هو كان ممنوعًا من دخوله إِلاَّ في يوم معين كل عام، وليس بدون دم (عبرانيين 9: 7).

من المهم إدراك أنَّ ما نجده هنا في سفر الخروج فيما يتعلق بساحات الخيمة الثلاثة، أي الساحة الخارجية والقدس وقدس الأقداس، يعيد كله توجيه نظرنا إلى أشياء صادفناها في الأصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التكوين. في الواقع، في نص يهودي كُتِب قبل زمن المسيح بنحو مائة وخمسين عامًا، نقرأ أنَّ: “جنة عدن كانت قدس الأقداس ومسكن الرب” (اليوابيل 3: 19). بعبارة أخرى، كان شائعًا عند اليهود أن يعتبروا الخيمة (وكذلك الهيكل فيما بعد) صورة لجنة عدن الجديدة، حيث يُدعَى الإنسان مرَّة أخرى للسير مع خالقه.

في حالته الأصلية، لم يكن لدى الإنسان مشكلة في إقامة علاقة مع الله، ولكن بمجرد أن أخطأ أبوانا الأولان في حق خالقهما، تَم طردهما ونفيهما من محضره. بادئ ذي بدء، احتجبا عن وجه الله بالاختباء بين الأشجار، وتغطية عريهما بأوراق التين. بعد ذلك تم نفيهما من الجنة، التي دُعِي الكروبيم بعد ذلك لحراستها، وفي وقت لاحق في الرواية نجد قايين قد طُرِد ناحية الشرق، خارج عدن تمامًا، بعد أن قتل أخاه هابيل.

ولكن إذا درسنا الأمر بعناية، وجدنا هنا نفس الأقسام الثلاثة للخيمة التي أُمِر موسى ببنائها. يقابل قدس الأقداس وسطَ الجنة حيث رأى آدم وحواء وجه الله. وبعد أن أخطآ، اختبأ أبوانا الأولان خلف الأشجار ليحجبوا مجد الله الذي أصبح الآن مصدر رعب لهما. هكذا أيضًا في خيمة الاجتماع، أقيم حجاب لفصل القدس عن قدس الأقداس.

مثلما ألبس الله أبوينا الأوَّلَين جلود حيوانات، كذلك كان يجب أن تُغطَّى خيمة المسكن بجلود الكباش (خروج 26: 14). كما نقرأ أيضًا أنَّ الكهنة الذين يدخلون خيمة الاجتماع يجب أن يستروا عورتهم لئلا يموتوا (خروج 28: 41–43). ثُمَّ نُسِجَت أشكال للكروبيم في القماش الذي يُبطّن داخل الخيمة من الداخل (خروج 26: 31– 33)، كتذكرة بالكائنات السماوية التي كانت تحرس مدخل جنة عدن ذات يوم، ولكن الآن، في هذا السرد عن الخيمة، مُنِح اللاويون مسئولية “حفظ الحراسة” أثناء خدمتهم في خيمة الاجتماع (عدد 18: 1–7). وكان هاذان نفس الفعلين اللذين رأيناهما سابقًا في تكوين 2: 15، الذي سلّط الضوء على مهمة آدم ككاهن دُعِي ليعمل ويحفظ جنة هيكل الله. هنا في الخيمة، أعيد إصدار هذا التكليف الأصلي للاويين ليخدموا يهوه بأمانة ويحرسوا مسكنهالمقدس.             

بمجرد سقوط آدم وحواء من حالة البرّ الأصلية التي كانا عليها، طُرِدا إلى الشرق من جنة الهيكل، حيث عاشا لبعض الوقت، وحيث كبر أبناؤهما في النهاية وأدّوا مهامًا كهنوتية مختلفة. حسبما ورد في التوراة، عَبَد هابيل الله بطريقة ملائمة لخاطئ ساقط، وذلك بتقريب أبكار قطيعه مع أجزائه السمينة. مرَّة أخرى، أمامنا هنا تشابه ملحوظ مع الوصف الوارد عن المسكن. إذا كانت خيمة الاجتماع تشبه جنة عدن، فإن الساحة الخارجية تشبه أطراف عدن الخارجية. ومثلما كان الكروبيم يحرسون مدخل الجنة، يحرس اللاويون مدخل القدس. وفي هذه المنطقة، في كلا الروايتين، نجد مذبح الأضاحي. في خروج 29: 42 أعلن الله لموسى أنَّ مذبح الأضاحي يجب أن يكون عند مدخل خيمة الاجتماع، أمام الرب، أي أمام المكان الذي وعد الله فيه بأن يلتقي بشعبه ويكلّمهم في أقدس جزء من خيمة الاجتماع. 

في ذلك اليوم المشؤوم الذي قتل فيه قايين أخاه هابيل، طُرِد إلى الشرق، أي شرق عدن نفسها. وبالمثل، لم يكن هناك سوى مدخل واحد لساحة الخيمة، والتي تصادف أن كان في الجانب الشرقي. مثل الكروبيم في تكوين 3: 24، دُعِي اللاويون لحراسة هذا المدخل، بحيث إذا جاء شخص ما بطريق الخطأ أو في وقت غير مناسب، كانوا مُكلَّفين بقتله (عدد 1: 51).

المثير للاهتمام هو أنَّه في لاويين 16 يُقال إنَّه لكي يدخل هارون، أو أي رئيس كهنة مستقبلي، وراء الحجاب إلى قدس الأقداس، يجب عليه تقديم تَيسَين عند مدخل المسكن في ساحة المسكن. فيُذبَح أحدهما، ويُنفَى الآخر إلى البرية. هذا التيس الثاني هو ما نسمّيه «كبش الفداء». في الواقع، كان ذبح أحدهما ونفي الآخر هو الذي دبّر الكفارة (لاويين. 16: 10، 20–22)، وشقّ طريقًا آمنًا لدخول رئيس الكهنة إلى ما وراء الحجاب، حيث يمكن أن يجتمع مرَّة أخرى بالرب.

ومع ذلك، لنفكّر في مدى تشابه كل هذا مع القصة التي نقرأها في تكوين 4. فحينما أقاما على أطراف عدن، شرق مدخل جنة عدن، غار قايين من أخيه وقتله. ومع ذلك، وفي ظروف غامضة، لم يُحكَم عليه بالإعدام لجريمته الكبرى. لقد جاهد المفسّرون للتوصل إلى تفسير مناسب لحماية الله لقايين، لكنني أعتقد أن أفضل تفسير يتعلّق بالطريقة التي تتناسب بها قصته مع الحلقات اللاحقة من تاريخ الفداء. كما ترون، يبدو أنَّ الله يقول لموسى في لاويين 16 إنَّ طريق العودة إلى مسكن الله المقدس لا يزال مغلقًا. ولا يجوز دخول أي شخص سوى رئيس الكهنة، ومن أجل تأمين دخوله، يجب أداء طقوس معينة، وهي طقوس تشير إلى مكان نفينا الأصلي، إلى الوقت الذي ذُبِح فيه أحد الأخوين ونُفِي الآخر. أعتقد أن هذا هو مغزى الطقوس التي أُوحِيَت إلى موسى فيما يتعلق بالتَّيسَين، اللذين يُقدَّم أحدهما ذبيحةً ويُطرِد الآخر بعيدًا إلى البرية. إنَّ هذه الطقوس لم تدلّ شعب إسرائيل على مشهد التمرد الأصلي فقط، كما هو وارد في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين، ولكنني أعتقد أنها تدلّ أيضًا على الحل النهائيّ واسترداد كل الأشياء الذي نجده في إنجيل يسوع المسيح.  

كما سبق وذكرنا، أُعطِيَ موسى تعليمات محدَّدة بشأن تيسين يجب إحضارهما أمام خيمة الاجتماع، أحدهما يُذبَح، والآخر يُأخذ خارج المحلّة ويُطلَق في البرية. هذا لا يوازي القصة المأساوية لقايين وهابيل فقط، ولكنّ التعليمات التي تلقّاها موسى تشير هي أيضًا بشكل ملحوظ إلى المسيح.

وفقًا لطبعة نستله-ألاند للعهد الجديد اليوناني، والتي انعكست في بعض الترجمات العربية مثل الترجمة المشتركة، والإصدار الأخير من ترجمة NIV، قدّم بيلاطس رَجُلَين باسم “يسوع / يشوع” إلى رؤساء الكهنة وحكام إسرائيل الذين اجتمعوا لسماع حكمه في ذلك الصباح المشؤوم. وفقًا لبروس ميتسغر، تشير العديد من المخطوطات القديمة إلى أن باراباس كان يُعرَف أيضًا باسم يسوع أو يشوع، والعديد من المخطوطات اللاحقة التي حذفت هذا الاسم الإضافي تحتوي على ملاحظات في الهامش تشرح هذا الحذف. هكذا يُقرأ متى 27: 17 بحسب هذه القراءة البديلة: “قال لهم بيلاطس: من تريدونني أن أطلق لكم: يسوع باراباس، أم يسوع الذي يُدعى المسيح؟” 

وفقًا لرواية متى، ما يحدث بعد ذلك هو أنَّ القادة اليهود يطلبون إطلاق سراح يسوع باراباس، (الذي يقال لنا في مرقس 15: 7 إنه ارتكب جريمة قتل أثناء التمرد) بينما يتم تسليم يسوع المسيح ليُصلَب. لنفكّر في مدى قرب كل هذا من قصة قايين وهابيل التي قُتِل فيها الشخص الذي قدّم العبادة الحقّة بينما أُطلِق سراح القاتل وأُرسِل بعيدًا. لنفكّر أيضًا في التوازي بين الرواية التي قرأناه في لاويين 16 عن التيسين اللذين تَعيَّن تقديمهما الى الكهنة. وكان يجب ذبح أحدهما، بينما يُطلَق الآخر في البرية (لاويين 16: 7–10). باختصار، يبدو أنَّ كلمات موسى تعود بنا إلى الأحداث المحيطة بالسقوط في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين، وكذلك إلى وقت تحررنا النهائي من لعنة السقوط، أي إلى الفداء الذي نجده في شخص يسوع المسيح وعمله. 

هكذا تألّم يسوع مثل هابيل على أيدي إخوته، ولكن على عكس هابيل، فإنّ دمه ينطق بكلمة أفضل، ويصرخ، لا من أجل الانتقام، بل من أجل الرحمة (عبرانيين ١٢: ٢٤) تمامًا مثل دم الضحية الكفارية على عرش الرحمة في قدس الأقداس. كانت دماء تلك الأضاحي مجرد عنصر مؤقت، وإن شئتم علامة على الطريق، تشير إلى حَمَل الله الأخير الذي سيأتي، مرَّة واحدة وإلى الأبد، في ملء الزمان من أجل سكب دمه وتقديم حياته فديةً للكثيرين.

تخبرنا الرسالة إلى العبرانيين 13: 11–13: “فَإِنَّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ إِلَى «ٱلْأَقْدَاسِ» بِيَدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ. لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضًا، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ. فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ.” بعبارة أخرى، تم نفي يسوع خارج باب القدس – خارج مخيّم الله، الذي كان في حد ذاته رمزًا لمسكنه المقدس في اليهودية في زمن الهيكل الثاني. بسبب خطايانا، كل واحد منا يستحق أن يُطرَد من محضر الله. لكن هنا يكشف كاتب العبرانيين أنَّ يسوع حمل هذه اللعنة عنّا. لقد نُفِي هو حَتَّى يتم الترحيب بنا في محضره. على الرغم من أنَّه لم يرتكب أي خطيئة، فقد عومل على أنه يستحق الطرد إلى خارج المحلّة – إلى مكان الإعدام. لكنَّه احتُقِر ورُفِض وطُرِد، حَتَّى نحظى نحن بالمحبة والاعتزاز والمصالحة.

هذه هي الأخبار السارة التي تكمن في صميم الإنجيل المسيحي. في نهاية المطاف، تتمحور الأخبار السارة حول عمل آدم الثاني الذي جاء في ملء الزمان لإبطال لعنتنا بأن يعيش ويموت بدلاً منا. وهكذا، فإن كنا في المسيح، لن نخجل أبدًا أو نُترَك أو ننفصل عن حضور الله الأبدي، لأنه سبق وتألّم من هذه الأشياء من أجلنا. فيه نتصالح تمامًا، ونلبس ثيابًا فاخرة، ونُعتَبر من عائلته. وفقًا لرؤيا 22: 4، سوف يسجد قدّيسوه عند عرش الله والحمل: “ وَهُم سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ.

ابحث في مكتبة الموارد