ضميرك هِبة من الله – لكنه ليس الله

بقلم جي دي غْرِيار

عندما يتحدّث بولس عن الحكمة في مجالات لا يقول فيها الكتاب المُقدَّس قولاً فاصلاً، فإنه يبيّن أنَّ الوحدة أهم من كوننا متشابهين. وقد يوافقه على ذلك العديد من المؤمنين، لكنَّ الأقوال أسهل من الأفعال.

مثلاً، عندما يُسأَل المؤمنون إذا كان من المقبول أن يقرأوا أو يشاهدوا «هاري پوتر»، يردّ بعض المواظبين على حضور الكنيسة: “من الواضح أنَّ المؤلَّف يتعلّق بعالم السحر. بل إنَّ بعض المصطلحات مأخوذة مباشرةً من السحر والتنجيم. لذا لابُدّ من تجنُّب أي شيء يُمجِّد الشيطان.” بينما يقول آخرون: “هذا مُجرَّد عمل خيالي، مَثَله مَثَل «سيد الخواتم» و«حكايات نارنيا». لا بل إنّ الشخصيات في هاري پوتر تحتفل بعيد الميلاد المجيد، فمن الواضح أنَّهم ليسوا من عبدة الشيطان.”

أو إذا تطرّق الحديث إلى موضوع اليوغا، فسرعان ما يشير البعض إلى أنها ممارسة بوذية تدور في أصلها حول تصفية الذهن والتوصّل إلى الوحدة مع ما يحيط بالإنسان من أشياء، وهذا أمر غير مسيحي. في حين يزعم آخرون أنَّ اليوغا هي مُجرَّد تمرينات لتليين العضلات، ولا يوجد شيء مضادّ للمسيحية في ترك عقلك يرتاح، ومحاولة القضاء على عوامل التشتيت، بحيث يكون الذهن حاضرًا في الوقت الراهن بصورة أشد. (بالنسبة للآخرين، فإنّ القضية الأكثر إثارة للجدل تتعلق بسراويل اليوغا … وهو موضوع قائم بذاته.)

يمكنني الاستشهاد بأشياء أخرى كثيرة. مثلاً: المدرسة الحكومية في مقابل التدريس في المنزل. شرب الكحول في مقابل الامتناع التام عنه. وقد لا نتجادل بشأن تناول اللحوم المذبوحة للأوثان (كما كان الناس يفعلون في زمن بولس)، ولكن هناك المئات من المسائل الثانوية التي نتشاجر حولها.

يُفهَم من تعليمات بولس حول طريقة التعامل مع هذه النزاعات في الكنيسة أنَّ أَوَّل وأهمّ شيء هو أن تطيع ضميرك:

“فَلْيَتَيَقَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي عَقْلِهِ[1]: ٱلَّذِي يَهْتَمُّ بِٱلْيَوْمِ، فَلِلرَّبِّ يَهْتَمُّ. وَٱلَّذِي لَا يَهْتَمُّ بِٱلْيَوْمِ، فَلِلرَّبِّ لَا يَهْتَمُّ. وَٱلَّذِي يَأْكُلُ، فَلِلرَّبِّ يَأْكُلُ لِأَنَّهُ يَشْكُرُ ٱللهَ. وَٱلَّذِي لَا يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ لَا يَأْكُلُ وَيَشْكُرُ ٱللهَ.” (رومية 14: 5–6)

أيًّا كان ما تفعله، يجب أن تكون قادرًا على عمله كتقدمة لله. هل يمكنك الاستماع إلى ذلك النوع من الموسيقى، أو مشاهدة سلسلة الأفلام الشهيرة هذه، أو المشاركة في ذلك النشاط كتقدمة لله؟

كن مقتنعًا تمامًا كلَّما أمكن، لأن هذا هو المحكّ: إذا شعرت أنَّ ثَمَّة خطية (حتَّى لو لم يكن الأمر خطية في حد ذاته)، وفعلتها على أي حال، فهي خطية بالنسبة لك. “وَأَمَّا ٱلَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ” (رومية 14: 23).

مثلاً، إذا أشرت إلى شخص بإشارة الإبهام لأعلى، فمن غير المحتمل أن يسبّب ذلك أية إساءة. ذلك أنَّ معظم الناس يفهمون هذا الرمز على أنّ معناه: “أحسنت.” ولكن إذا اعتقدتُ أنا، لأي سبب كان، أن رفع إبهامي لأعلى هو إهانة، ثم رحت وجئت أشير بإبهامي لأعلى أمام الجميع، أرتكب خطيئة. على الرغم من أن رفع الإبهام لأعلى ليس أمرًا غير أخلاقي في ذاته، إِلاَّ أنَّ تصرّفي ضد قناعتني وضميري فيه ضرر عليَّ أنا ذاتي.

إننا لم نعد نتحدّث كثيرًا عن الضمير. وهذه مأساة لأن ضميرك هبة من الله. إنه بديهة أخلاقية تعرف به الشيء من قبل أن تتمكن من التعبير عنه – وكأنه “حاسة سادسة.” إنه يتجاوز المعرفة الذهنية. بعبارة أخرى، قبل أن يعرف ذهنك ما يجري، يشعر قلبك به.

إذا كان ضميرك هبة من الله، فإن تخديره أمر خطير. عندما تعتاد على عمل ما يشعر قلبك بأنه خطأ، فأنت تمزّقه بالتدريج حتَّى لا يعود يشعر بالخطأ.

لكنَّ ضميرك، وهو هبة من الله، ليس هو الله.

يخبر بولس أهل رومية أنَّه بينما يجب أن يطيعوا ضمائرهم، إِلاَّ أنَّه يجب أن يكونوا مستعدين أيضًا لإصلاحه. ضميرك من عند الله، لكنَّه ليس معصومًا من الخطأ. يحتاج الله أحيانًا إلى تحدّي ما نعتبره صوابًا وما نعتبره خطأ، محاولةً منه لإصلاح ضميرنا.

لقد اختبرتُ هذا عدة مرات في حياتي (وربما سأختبره أكثر في المستقبل). مثلاً، علّمتني المدرسة المسيحية التي نشأت فيها أنَّ أي نوع من نغمات الروك خطية. وأن تأخير النبرة الموسيقية من الشيطان. وأنّ استعمالها في الترانيم المسيحية لا يغيّر شيئًا من طبيعتها الشريرة. كأنّ الأمر أشبه بتقديم قطعة لحم غالية الثمن على طبق من السماد الطبيعي.

وحتَّى بعد أن علمت لاحقًا أن هذا غير صحيح، ظل قلبي يشعر بالذنب كلَّما رنّمنا ترنيمة في الكنيسة تحتوي على دقّات الطبول.

كان على ضميري أن ينمو في الحقّ.

كان ضمير بطرس ينزعج من الأكل مع الوثنيين. فهو قد تربَّى على الاعتقاد بأنّ ذلك أمر نجس، حتَّى أخبره بولس في غلاطية 2 أنَّ ضميره على خطأ ويحتاج إلى التوافق مع الإنجيل.

إذا كنا حقًا نبغي الوحدة في الكنيسة، فعلينا أن نكون متواضعين بما يكفي لنتعلم من مؤمن آخر لا يرى الأمور كما نراها. وهذا يعني الاستماع إليه. الاستماع الحقيقي، لا الاستماع إلى أخطاء الشخص الآخر وهو يجادلنا، بل الاستماع بقصد أن نفهمه.[2]


[1] ترجمة كتاب الحياة: فَلْيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مُقْتَنِعاً بِرَأْيِهِ فِي عَقْلِهِ (المترجم).

[2] تم نشر المقال في الموقع التالي: https://jdgreear.com/blog/obey-your-conscience-but-admit-it-could-be-wrong/.

  • جي دي غْرِيار

    هو راعي كنيسة القمة في رالي دورهام – نورث كارولاينا، ومؤلف للعديد من الكتب
    في ذلك الربح بالخسارة : لماذا المستقبل هو للكنائس المُرس.

    Read All by جي دي غْرِيار ›

ابحث في مكتبة الموارد