خطاب مفتوح للناجين والناجيات من الاعتداء

خطاب مفتوح للناجين والناجيات من الاعتداء

بقلم جاستن هولكوم وليندزي هولكوم 

عزيزاتي وأعزائي الناجينمن الاعتداء،

ما حدث لكِ لم يكن خطأكِ. أنتِ لستِ مذنبة. أنت لم تستحقّي ذلك ولم تريديه. لا ينبغي لكِ أن تصمتي. أنت لستِ بلا قيمة ولا ينبغي أن تتظاهري بأنّ شيئًا لم يحدث. لا يحق لأحد الاعتداء عليك، كما أنّك غير مسؤولة عمّا جرى لك. أنتِ لست «بضاعة تالفة». ومن حقّك أن تُعامَلي بكرامة واحترام. لقد كنتِ ضحية اعتداء لا ذنب لك فيه. إنما الطرف الآخر هو الذي أذنب في حقّك. لكنْ رغم كل الآلام، يمكن أنيحدث الشفاء. فهناك رجاء.

مع أنَّكِ قد توافقين ذهنيًا على وجود رجاء، إِلاَّ أنَّكِ قد لا تزالين تشعرين بآثار الاعتداء الثقيلة: مثل الخزي، والشعور العميق بالنجاسة والقذارة المرتبط بالعار.

العار هو عكس النعمة. فالنعمة هي الحب الذي يبحث عنك حتَّى لو كنت لا تملكين ما تقدّمينه في المقابل. أَمَّا النعمة فهي أن تنالي الحبّ عندما تكونين غير محبوبة أو تشعرين بأنك غير محبوبة. النعمة تتمتَّع بالقدرة على تحويل اليأس إلى رجاء. النعمة تستمع وترفع وتداوي وتغيّر وتشفي.

أمَّا العار فيُهلِك، ويسبّب الآلام، ويشوِّه، ويجرح. إنَّه يؤدّي الى الاستبعاد والعَزل. العار يجعلك تشعر بأنك بلا قيمة، ومرفوض، ومثير للاشمئزاز – وكأنك شخص غير مرغوب فيه. العار يُخرِسك وينفّرك من الغير. فإنّ معاناتك من العار تزداد عندما يجبرك الآخرون على الصمت. إنَّ رفض الآخرين أن يتحدّثوا عن الاعتداء ويستمعوا إلى الناجين منه إنّما هو دليل على رفضهم تقديم النعمة والشفاء.

في مقابل إحساسك بالعار، فإن الله يُصلِح ما انكسر، ويشفي، ويعيد الخلق من خلال النعمة. التعريف المختصر والجيد للنعمة هو: “المحبة من اتجاه واحد.”[1] هذا عكس ما وقع عليك من اعتداء، فالاعتداء هو “عنف من اتجاه واحد.” في مقابل ما وقع لك من عنف من اتجاه واحد، فإنّ الله يمنحك المحبة من اتجاه واحد. وشَتَّان بين الاثنين!

المحبة من اتجاه واحد لا تتجنّبك، بل تدنو منك؛ وذلك ليس بفضل استحقاقك الشخصي، ولكن بسبب احتياجك. إنَّها تحوُّل دائم يحدث في حياة البشر. المحبة من اتجاه واحد هي العنصر المغيِّر الذي تحتاجه لعلاج الألم الذي تعاني منه.

مع الأسف، فإنّ الرسالة التي تتردّد كثيرًا على مسامعك هي رسالة “الشفاء الذاتي” و”حب الذات” و”المساعدة الذاتية”. كثيرًا ما يتم تلاوة نسخة مِمَّا يلي على الناجين من الاعتداء: “يمكن للإنسان أن يأمر لنفسه بالشفاء”[2] أو: “إذا كنت على استعداد لبذل المجهود والعثور على دعم جيد، فلا يمكنك الشفاء فحسب، بل والازدهار أيضًا.”[3] يتلخّص ها الفكر في الاقتباس الشهير: “لا أحد يستطيع أن يُلحِق بنا العار إلا أنفسنا.”[4]

هذه كلها أخبار فظيعة. وسبب فظاعتها هو أنَّ ضحايا الاعتداء يشعرون بالندم – بشكل مشروع ومفهوم – على الطريقة التي اعتُدِيَ بها عليهم. لكنَّ الذين يعانون من الألم قد لا يملكون ما يلزمهم من “شقّ طريقهم إلى أعلى بأنفسهم.” قد تنجح – على المستوى السطحي – تقنيات احترام الذات ورفض السماح للآخرين بإيذائنا على المدى القصير. ولكن ماذا يحدث للمُعتدَى عليه عندما يمرّ بيوم عصيب، أو شهر عصيب، أو سنة عصيبة؟ الخطيئة وآثارها تشبه قانون القصور الذاتي: الشخص (أو الشيء) المتحرّك يستمر في مساره حتَّى تؤثِّر فيه قوة خارجية. إذا دمّرت الخطيئة إنسانًا، وفشل في التخلّص من آثار الخطيئة، أدّى ذلك ببساطة إلى شعور بالعار يتضاعف بمرور الوقت. يحتاج المُعتَدَى عليهم إلى شيء من الخارج لإيقاف الدوّامة التي تشدّهم إلى أسفل. بفضل الله، تفيض النعمة من خارج الإنسان عند المنعطف الذي يفقد فيه الأمل في تغيير نفسه بنفسه. النعمة تعلن أنَّ ذلك الإنسان سيَشفى وتَعِده بذلك. المحبة من اتجاه واحد لا تأمرك بأنْ: “اشفِ نفسك بنفسك!” بل تعلن: “إنَّك ستَشفى!”

جاء في إرميا 17: 14: 

اِشْفِنِي يَا رَبُّ فَأُشْفَى.

خَلِّصْنِي فَأُخَلَّصَ،

لِأَنَّكَ أَنْتَ تَسْبِيحَتِي.

محبة الله الأحادية الاتجاه تحلّ محلّ محبة الذات، وهي السبيل الحقيقي للشفاء. هذه بشرى مدهشة وهي تُبرِز التناقض بين العار والنعمة، أو العنف من اتجاه واحد والمحبة من اتجاه واحد. الله يشفي جراحنا. فهل يمكن للإنسان أن ينال النعمة ويتخلّص من عاره؟ في إنجيل يسوع المسيح، الجواب هو: نعم. بين دفّتي الكتاب المقدس، أي من الخلق وإلى إعادة الخلق، تكمن قصة الفداء التي تتوالى فصولها. يبدأ الخلق في الكتاب المقدس في حالة من الانسجام والوحدة والسلام (شالوم)، لكنَّ البشرية أصبحت بحاجة إلى الخلاص لأنها – مع الأسف – تمرّدت وكانت النتيجة العار والدمار، أي ضياع الشالوم. ولكن لأنَّ الله أمين ورحيم، فإنه يضمّد جراح خليقته الساقطة ويفيض عليها بالنعمة والفداء. أمَّا التعبير الكامل عن هذه البشرى فنجده في حياة يسوع وموته وقيامته، ونطاقها يتّسع “بقدر اتّساع اللعنة.”[5] يسوع هو عمل الله الفدائي في تاريخ البشر. 

يصف مارتن لوثر هذه البشرى السارة فيقول: “الله لا يقبل إِلاَّ المتروكين، ولا يعيد الصحة إِلاَّ للمرضى، ولا يعطي البصر إِلاَّ للمكفوفين، والحياة إِلاَّ للأموات … إنَّه لا يرحم إِلاَّ البائسين ولا يهب النعمة إِلاَّ لمن ذاقوا العار.”[6] رسالة الإنجيل هذه مُوجَّهة للجميع، ولكنها ذات أهمية خاصة للناجين من الاعتداء لأنهم يعرفون – وعن خبرة – عمق المعاناة والشعور الطاغي بالعار. الله يعالج العار بالنعمة ويفدي ما قد هلك.

يبيّن الله في إنجيل يسوع المسيح أنَّه يقف في صفّنا وليس ضدّنا. كل ما نملك – نحن المؤمنين – موهوب لنا بفضل ما سبق وعمله يسوع من أجلنا. بركات الله متاحة لنا مجانًا في يسوع المسيح – من الآن وإلى الأبد. وكل ذلك بالنعمة. النعمة متاحة لأنّ يسوع اجتاز وادي ظل الموت وقام من بين الأموات. الإنجيل يعالج حياتنا بكل ألمها وعارها ورفضها وضياعها وخطيتها وموتها. والآن الله يقول لألمك: “إنَّك ستَشفى.” الله يقول لعارك: “تستطيع الآن أن تدنو إليَّ بثقة.” الله يقول لرفضك: “أنت مقبول!” الله يقول لضياعك: “قد وجدتك ولن أتخلَّى عنك أبدًا.” الله يقول لخطيّتك: “لقد غُفِرَت لك خطاياك وأنا أعلن أنك طاهر وبارّ.” ويقول الإنجيل لموتك: “قد كنتَ ميتًا، لكنك الآن حيّ.”

بسبب عمل يسوع المسيح المُكتمِل، يستطيع كل من يثق فيه أنْ ينال هذه الراحة في الحياة والموت:

إنني لست ملكي، بل أنتمي – روحًا وجسدًا، في الحياة والموت – إلى مخلِّصي الأمين يسوع المسيح. لقد دفع بدمه الثمين ثمن كل خطاياي بالكامل، وأعتقني من استبداد الشيطان. إنه يرعاني أيضًا بحيث لا تسقط شعرة من رأسي بدون مشيئة أبي الذي في السماوات. في الحقيقة، كل الأشياء تعمل معًا من أجل خلاصي. ولأنني أنتمي إلى المسيح، فإنّه بروحه القدوس يضمن لي الحياة الأبدية ويجعلني راغبًا من كل قلبي ومستعدًا من الآن فصاعدًا أن أعيش من أجله.[7]

في إنجيل يسوع المسيح تحقّقت محبة الله الراسخة الباقية إلى الأبد. وعلى الرغم من كل الآلام، يمكن أنيحدث الشفاء. فهناك رجاء.   

في المسيح
جاستين وليندزي هولكوم

ملحوظة:

المُحتَوى مُقتَبس بتصرُّف من كتاب Rid of My Disgrace بقلم جاستين وليندزي هولكوم. ظهر هذا المقال لأول مرة على موقع Crossway.org؛ ومصرَّح لنا باستخدامه.


[1] Paul F. M. Zahl, Grace in Practice: A Theology of Everyday Life (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 2007), 64.

[2] Marjorie Suchocki, The Fall to Violence: Original Sin in Relational Theology (New York: Continuum, 1994), 149.

[3] Ellen Bass and Laura Davis, Beginning to Heal: A First Book for Men and Women Who Were Sexually Abused as Children (New York: HarperCollins, 2003), 5.

[4] هذا الاقتباس منسوب لجوش بيلينغز وهنري ويلار شو وجي. غي. هولاند.

[5] هذا السطر من ترنيمة Joy to the World لأيزاك واتس (1719). تُذكّرنا هذه الترنيمة بأن الإنجيل بشرى سارة لعالم كل جانب من جوانبه، ومن وجودنا فيه، انحرف بعيدًا عن قصد الخالق بفِعل قوى الخطيئة والموت.

[6] Martin Luther, The Seven Penitential Psalms, 1517, as quoted in Day by Day We Magnify Thee: Daily Readings (Minneapolis, MN: Fortress, 1982), 321.

[7] The Heidelberg Catechism, Question and Answer 1. ccel.org/ creeds/heidelberg-cat.html.

  • جستن هولكوم
    هو راعي أسقفي، وأستاذ اللاهوت في مدرسة غوردون كويل اللاهوتية والمدرسة اللاهوتية الإصلاحية. يمكنكم قراءة المزيد عنه على  justinholcomb.com  أو التواصل معه من خلال ،TwitterJustinHolcomb.
    Read All by جستن هولكوم ›
  • ليندزي هولكوم
     مستشارة إجتماعية لضحايا الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي. عملت سابقًا في مركز أزمات الاعتداء الجنسي وعملت أيضًا كمديرة قضايا ملجأ العنف المنزلي. وأزمات ضحايا الاعتداء الجنسي، كما أجرت مجموعة متنوعة من الحلقات التدريبية لمقدمي الخدمات. حاصلة على درجة الماجستير في الصحة العامة مع التركيز على العنف ضد المرأة وكانت أحد مؤسسي REST (Real Escape from the Sex Trade). ليندسي وزوجها جستن، هما مؤلفا كتاب ” هل هذا خطأي؟”: الأمل والشفاء لأولئك الذين يعانون من العنف المنزلي والتخلص من العار: الأمل والشفاء لضحايا الاعتداء الجنسي.
    Read All by ليندزي هولكوم ›

ابحث في مكتبة الموارد