
بقلم كالب وايت
تذكَّرْ أن تُحِبَّ نفسَك”. هذا ما كتبته صانع القهوة على قهوتي في وقتٍ مُبكِّرٍ من صباحِ يومِ ثلاثاء. قرأتُ المكتوبَ ونظرتُ إلى الشعارِ في رفضٍ. ليس فقط لأن النومَ كان لا يزالُ يداعبُ عيوني، ولكن أيضًا لأنني وجدتُ تلك العبارةَ الشائعةَ مثيرة للاشمئزاز. كنتُ في الكليَّةِ في ذلك الوقت، وبدأتُ أتعلَّمُ أبجدياتِ اللاهوت، وبدا لي أن هذه النصيحة قلَّلتْ بوضوحٍ من مدى عدمِ استحقاقنا نحنُ الخطاة للحب. يمكنني حفظُ كرامتي أمام الآخرين، بالتأكيد، لكني أعرفُ كلَّ ما فعلتُه، كلَّ فكرةٍ خطرتْ لي. أعرفُ مدى سهولةِ الشعورِ بالمرارة تجاهَ اللهِ والقريبِ بدلًا من محبتِهم. فكيف أحبُّ نفسي؟
ولكن هل يجبُ على المسيحيِّين أن ينفروا بشدَّةٍ من مفهومِ حُبِّ الذاتِ هذا؟
قبل أن نحكم أو نحاولَ الدفاع عن هذا الشعار، علينا أن نعترفَ ببعضِ الأشياءَ حولَ فكرةِ حُبِّ الذات.
كيف يتحدَّثُ العالمُ عن حُبِّ الذات؟
سواء كنتَ قد واجهتَ الشعار في فيلمٍ أو كتاب، أو تلقَّيتَ نصيحةً غيرَ مرغوبٍ بها من المؤثِّرين على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، فمن المُحتملِ أن تكونَ قد أُخبِرتَ أن حُبَّ نفسِك هو شيءٌ يجبُ عليك فعله. لكن لا يتوفَّرُ تعريفٌ مُحدَّدٌ لما يعنيه أن تُحِبَّ نفسَك. إنه شِعارٌ يُعرَّفُ ويُسْتَخدَمُ بالعديدِ من الطرق.
في الثقافةِ الشعبيَّة، غالبًا ما يُستخدَمُ هذا التعبيرُ لتشجيعِ الناسِ على قبولِ أنفسِهم كما هُم، ولتقبُّل مكانِهم في الحياةِ دون انتقاد. إذا كنتَ تخجل بشأنِ جسدك، فإن حُبَّ نفسِك يعملُ على مساعدتِك على تقبُّلِ مظهرِك واحتوائه. بالنسبة للآخرين، يعني حبُّ نفسِك التخلِّيَ عن الأخطاء التي ارتُكبت في الماضي والتوقُّفَ عن القلقِ بشأنِ الأخطاءِ التي ارتُكبتْ في الماضي، وأن تفخرَ بكلِّ ما أنجزتَه عندما لا يعترف أيُّ شخصٍ آخرَ بانتصاراتِك. إن أصواتَ النقدِ والعارِ عالية — في العالمِ وفي رؤوسِنا — ويبدو أن هذا التعبيرَ يُقدِّمُ العلاج.
يمكن أن يكون شعارُ حِبْ نفسَك أيضًا اختصارًا لتهدئةِ ضميرٍ مُضْطَرب. بهذا المعنى، يمكن استخدامُ التعبير كطريقةٍ للعيش في حالة إنكار. يمكننا إما العملُ في مناطقِ الصراعِ أو الاستمرارُ في إهمالها باسم قبول الذات. ولكن أحيانًا يكونُ الضغطُ الداخلي الذي نشعرُ به هو لأننا نعلمُ أنه يمكننا القيامُ بعملٍ أفضل — نعلمُ أننا بحاجةٍ إلى التصالُحِ مع هذا الشخص، ونعلم أننا نقضي وقتًا طويلًا في المرورِ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، ونعلمُ أنه يمكنُنا بسهولة الجلوسُ في حالةِ إشفاقٍ على النفس بدلًا من القيام بشيء فعَّال.
وبصفتنا مسيحيِّين، يجبُ أن نعترفَ بواقعِ ظروفِنا والعالمِ الحقيقي الذي نعيشُ فيه: نحن نرتكبُ أخطاءً، ونخطئ، ونندمُ، ونؤذِي ونُؤذَى من الآخرين. إن الاعترافَ بهذه الأشياء ومحاولة التغيير، لا يُعَد من قبيلِ خيانةِ الذات.
كيفَ يتحدَّثُ الكتابُ المُقدَّسُ عن “حُبِّ الذات“؟
يتناولُ الكتابُ المُقدَّسُ موضوعً “حُب الذات” سلبيًّا وإيجابيًّا. في رسالة تيموثاوس الثانية، يقول بولس: “فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ… [يكون النَّاس] مُحِبِّينَ لِأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ… عَدِيمِي النَّزَاهَةِ… مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ لِلهِ” (2 تيموثاوس 3: 2-5). بهذا المعنى، فإن الأشخاصَ المعروفين بأنهم “محبون لذواتهم” يعملون كثقوب سوداء، يأخذون من الآخرين ولكنهم يرفضون العطاءَ في المقابل.
انظرْ أيضًا إلى مُلخَّص بولس للناموس: “لِأَنَّ «لَا تَزْنِ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لَا تَشْتَهِ»، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»” (رومية 13: 9). هل فهمتَ ذلك؟ يقول بولسُ إن الطريقة التي نحبُّ بها جيرانَنا هي من خلال القاعدة الذهبيَّة: أن نعاملَهم كما نريدُ أن نُعامل. لا يشبه هذا النظرَ في المرآة وإعطاءَ عبارات تشجيعيَّة لنفسِك، لكنها تفترض أننا نعرف كيف نريد أن يعتني الآخرون بنا.
يقولُ بولسُ أيضًا: “يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ” (أفسس 5: 28-29). توحي هذه اللغة بأكثرَ من مُجرَّدِ حمايةِ أنفسِنا من سوءِ التغذية. يفترضُ بولسُ أنه من الجيد تمامًا الاعتناءُ بخيرنا وتجنُّبُ وضعِ أنفسِنا في مواقفَ غيرِ صحيَّة.
في كلٍّ من مُلخَّص الناموس وأفسس 5، يعطي الكتابُ المُقدَّسُ الإذنَ للتركيزِ على الأشياءَ التي تُغذِّي حياتنا وتعتزُّ بها وتبنيها.
في حالةِ الهويَّة المغلوطة، نحاولُ نحن المسيحيِّين غالبًا أن نكون متواضعين وأتقياءَ من خلال إنكار الذات. لا يمكننا قبولُ المجاملاتِ أو السماح للآخرين بالاعتراف بإنجازاتنا. نحن نشيرُ إلى أنفسنا فقط بأبشعِ العِباراتِ المُمْكِنة. لكي نكونَ مُنصفين، فإن لغة رثاء الذات هذه موجودة في الكتاب المُقدَّس (مزمور 22: 6؛ 51؛ رومية 7: 24-25). لكن الكتابَ المُقدَّسَ لا يُعطينا الانطباعَ بأن هذه هي اللغة الوحيدة التي لدينا لأنفسنا، كما لو كان من المُفتَرَضِ أن نعيشَ في حالةٍ دائمةٍ من الندم. وفي هذا السياق، إنما يُطرَحُ رثاءُ الذات بعد أن نتعرَّفَ على خطايانا. ولكننا، حين ننظرُ إلى الربِّ في توبةٍ، فهو الذي يرفعُ رؤوسنا (مزمور 3: 3).
الحبُّ الذي نحتاجُه بالأكثر
غالبًا ما يتلخَّصُ شعارُ حِبْ نفسَك في الخطابِ العلماني في تأييد الذات. غالبًا ما يتلخَّصُ التصحيحُ المُفرِطُ لهذا في الأوساط المسيحيَّة في إنكار الذات. لكن الكتابَ المُقدَّسَ يوجِّهنا إلى شيءٍ أقوى مما يمكن أن نقولَه عن أنفسنا — فهو يوجِّهنا إلى ما يقوله خالقنا عنَّا: نحن حَدَقة عينه (مزمور 17: 8)؛ نحن محبوبتُه (إشعياء 43: 1؛ إرميا 31: 3)؛ لقد جاءَ ليخلِّصنا حتى “لِتَكُونَ [لَنَا] حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ [لَنَا] أَفْضَلُ” (يوحنا 10: 10).
نظرًا لأنه يمكن استخدامُ مفهومِ حُبِّ الذات بشكلٍ إيجابيٍّ وسلبي، فإن السؤالَ عما إذا كان جيِّدًا أم سيِّئًا يُخطئ الهدف. يجبُ أن نقولَ الحقيقةَ عن أنفسِنا — عن خطايانا، وميلنا للتنافُسِ من أجلِ المجدِ على حسابِ الآخرين. ويجبُ أن نعترفَ بأن الحُبَّ الذي نحتاجُه بشدَّةٍ لا يمكننا أن نُقدِّمَه لأنفسنا.
لكن لا ينبغي لنا أيضًا أن نحتقرَ ما يحبُّه الله. إن معرفةَ أننا محبوبونَ من اللهِ تدفعُنا نحوَ الثقةِ والتواضع.
يعرفُنا اللهُ أكثر مما نعرفُ أنفسَنا. هذا يعني أننا إذا سعينا وراءَ الشركةِ مع الله، الشخصِ الذي يعرفُ عنَّا كلَّ شيء، فإننا بدورِنا سنتعلَّمُ ونعرفُ المزيدَ عن أنفسنا. ومن خلالِ معرفةِ المزيدِ عن جمالِ اللهِ وعجائبِه، ندركُ أن هذا الإلهَ هو الذي منحنَا النعمةَ على أخطائِنا الماضيةِ ويمدُّنا بالنعمةِ الآنَ من خلالِ مخاوفِنا وشكوكِنا الحالية.
إن النظرةَ الكتابيَّةَ إلى حُبِّ الذاتِ هي تلك التي نضعُ فيها حدودًا في حياتنا تساعدُنا على عيش حياة صحيَّة في سلام. إنه تطلُّع لكي “تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ الْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ، لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ عِنْدَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، وَلَا تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ” (1 تسالونيكي 4: 11-12).
كالب وايت (حاصل على ماجستير الآداب من كلية لاهوت وستمنستر بكاليفورنيا) هو المنتج المُساعِد للبرنامج الإذاعي “جوهر المسيحية”. هو وزوجته كرستين لديهما طفلان، ويعيشون في جنوبي كاليفورنيا. يمكنك متابعة حسابه على تويتر @calebwait.